Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

إن عالمنا في ظل الألفية الثالثة يشهد ثورة في التكنولوجيا والمعلومات وينتقل من المجتمع الصناعي إلى ما بعده ميزته الإنتاج الغزير للمعرفة. فاقت أحيانا تنبؤات سابقة ورهانات ظلت حبيسة لتنظيرات وصفت بالعقيمة تجاوزها الكم المعرفي المنتج. عالم جديد قد لا يتوصل فيه التكيف السوسيو-ثقافي إلى مجاراة تلك الوتيرة العلمية.

حيث فرضت نوعية جديدة من التكنولوجيا المتقدمة، وأصبحت الحاجة إلى عمالة على مستوى عال من التعليم والتدريب، والقدرة على التحول من مهنة إلى أخرى واتخاذ القرار على خط الإنتاج مباشرة واعتمادا على درجات الكفاءة والفاعلية في التسيير والإدارة الحديثة، لان الجودة الشاملة لن تتحقق في المنظمة، باستيراد تكنولوجيا أو استقدام خبراء، أو وضع برامج طموحة بقدر ما يتعلق الأمر بكفاءة القوى البشرية العاملة في المنظمة وفق نظام إداري يرمي إلى تحقيق توازن فعال بين الابتكارية والمسايرة مرجعيته الأساسية، العملية التعليمية المنبثق حتما عن النظام التربوي وكل ما يحمله من أبعاد وأهداف وقد أوكلت مهمتها للإدارة التربوية والتي ما انفكت تواجه مهام صعبة ومتزايدة. لتعقد وظائفها ما يجعلها دوما تبحث عن السند المعرفي والمنهجي للكشف عن طاقات بشرية والوقوف عند استعداداتها وتوظيفها وتحويلها إلى طاقة مبكرة ومنتجة كي لا تقتصر على النقل والصيانة المنضمة لمعارف متجاوزة.

وليقيم في قطيعة من الواقع وهذا شأن الكثير من الأمم وهنا يشير المفكر الفرنسي "جان فرانسوا ليوطار" إن المجتمعات بدخولها ما يسمى بعصر الحداثة، فالمعرفة لم تعد غاية في ذاتها بل أصبح الهدف من وراءها هو أسلعتها أي تحويلها لبضاعة للتسويق([1])؛ فالمواكبة ضمن هذا النسق تدرج في إطار عملية تعليمية قوامها الفهم والتحليل بدلا من الحفظ والتلقين.

وكيفما كانت تلك العملـــــية التعليمــية فهي مـحتواه ضمـن نطاق إشرافـي مـــواكـــــب

للمقاربات البيداغوجية الحديثة أي إعادة النظر في ثلاثية التعليم التقليدي (المعلم - الطالب – المدرسة) حيت يساهم المشرف التربوي في النمو المهني للمعلم المستمر وتحسين مستوى الأداء في شكل الاعتمادية المتبادلة لأن نمط التفاعل يحدده البعد السوسيولوجي للوظيفة وما تحمله من تنوع العلاقات الإنسانية والديناميات الجماعة ومع تطور مفهوم الإشراف التربوي حيث تطورت فلسفته وأساليبه تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة.

وأخد يتطور أكثر في الأوساط التربوية ليأخذ معاني أشمل على مستوى الأساليب والنوع والهدف. وفي الوقت ذاته انحصر اهتمام القائمين على قطاع التعليم في الجزائر على إدارة الموارد البشرية في المؤسسات بدون تؤخر على الحد الأدنى من التكوين في ميدان التسيير، تقنيات، تواصل وفي ظل هذا المعطى جاء تصورنا لطبيعة العلاقة الموجودة داخل المؤسسة فقد لا تكون سيئة بالضرورة غير أنها ستكون حتما رهينة المزاح، والمسار الشخصي، بالإضافة إلى نوع الميولات السياسية والولاءات. وحتى التكوين الحضري لن يسهم في تجريد الفاعل التربوي من تلك الارتباطات ما لم يكن تكوينه وظيفيا.

كما أن محاولات "الإصلاح" المسترسلة والتي كانت في عمومها كمية أي لم تتعدى الزيادة العددية من مدارس والمدرسين منذ الاستقلال([2])؛ وإن تجاوزت ذلك إلى المناهج والبرامج الدراسية فان التقاطع المنتظر بين إرادة الفاعلين من جهة وبين السياسة من جهة أخرى حتى وإن كان واردا فقد يعبر على استراد أو استنساخ لتجارب لم يعد من الإجرائية في شيء تصنيف المتعلمين على ضوئها في شكل معايير جاهزة.

فمهمة الإشراف لن تقف عند مراقبة مدى مطابقة سير المؤسسة التعليمية للتوجيهات المركزية، بل الوظيفة الأساسية لهذه المهنة هي مراقبة مدى استجابة النظام لحاجات المتعلمين، الشيء الذي يفرض تفسير ذو بعدين فمن ناحية المؤسسة التعليمية في حاجة إلى ثقافة تأطيرية جديدة تدمج المسير الإداري والمسير البيداغوجي ضمن مهمة مشتركة ألا وهي مراقبة مدى قدرة النسق التعليمي على التحول إلى ممارسة ميدانية، ومن ناحية أخرى يتحول المشرف إلى وسيط بين الإدارة المركزية والفوج التربوي. وإذا كانت الجزائر بعيدة عن هذا المنحى، فهاجس تدارك التأخر المضاعف يشكل ضغطا على من يفكر في إصلاح المنظومة التربوية، دون ترتيب الأولويات. حيث لا يمكن لأي سياسة تعليمية ناجحة أن ترمي إلا أكثر من استراتيجية واحدة خلال مرحلة واحدة.

راهنت الجزائر في ميدان التربية على تعميم التعليم، وتحقيق الجودة، وربط المؤسسة التعليمية بمحيطها الخارجي، وربطها أيضا بالهياكل المركزية. ويتضح ذلك ضمن الخطابات المتجددة والتي دون شك لن تخلق ممارسات جديدة، فحسم مسألة المواصفات مثلا لن يضمن بالضرورة تحقيق تنمية نوعية للموارد البشرية، أو إحداث برنامج تكوين يضمن إنتاجية ومردودية أي لا يكفي تغيير التسميات لتتغير الوقائع، وذلك انطلاقا من الوعي الدائم أننا أمام مؤسسة يطلب منها قيادة المجتمع إلى وضعية قيمية جديدة مع ما تحمله هذه المؤسسة من عوائق، من المستوى العمراني إلى المستوى العلائقي، مرورا بالمستوى التنظيمي والبيداغوجي، أنها مؤسسة تتشكل من موارد بشرية حتى وإن كانت جهازا من أجهزة الدولة، غير أنها في الوقت ذاته امتدادا للمجتمع يعيش بشأنها جدالا بين مرجعيات مختلفة ([3]). ومن هذا المنطلق توجب حدوث مفاضلة دائمة تعنى بالمنظومة التربوية من باب الأولوية المطلقة.

كما أن الواقع الإشرافي التربوي في الجزائر يكتنفه الكثير من الغموض سواء على صعيد الممارسة المهنية والاجتماعية مما ولد فينا قدرا كافيا من النزوع إلى تلك الوضعية ومن ثم البحث في واقع الإشراف التربوي في المؤسسة التعليمية الجزائرية. واهتداءنا لهذا الموضوع أملته علينا دافعية ذاتية وأخرى موضوعية فذاتيتنا مردها المعايشة لهذا الطرح بحكم انتمائنا لقطاع التربية وما يسوده من تراجع وتدني على المستوى التحصيلي والتربوي وبالتالي ضمان الابتكارية والإنتاجية وهنا تظهر القيمة الاقتصادية للموضوع.

- قد يشكل موضوع البحث سندا يعتمد عليه المشرف والمعلم لإدراك قيمة الإشراف في تقييم وتقويم العمل التربوي التعليمي، أي تبيان مدى تحقق الكفاية الإشرافية ونجاعتها.

- كما نهدف إلى كشف موقع الإشراف التربوي في ظل مدارس الفكر الإداري ومحاولة إسقاط رؤية تلك المدارس على واقع الإشراف التربوي.

- كما نسعى إلى البحث عن طبيعة العلاقة السائدة بين المعلم والمشرف، ومن ثم تبيان دور الإشراف التربوي في تفعيل العلاقات الإنسانية.

- إلى جانب ذلك نحاول التعرف على أساليب وأنواع الإشراف المتوفرة من جهة والمنتهجة من جهة أخرى.

- التعرف على الجانب القيادي في الإشراف مع محاولة الفصل بين مهام المشرف الإدارية والقيادية.

- بالإضافة إلى محاولة البحث في التدريب التربوي أثناء الخدمة كمهام منوطة بالمشرف ومن ثم تحديد دوره كفاعل تربوي واجتماعي.

- كما نسجل في بحثنا هذا محاولة التركيز على بعض المفاهيم الأساسية التي لها بمفهوم الإشراف التربوي لتجاوز أزمة التداخل الضمني لتلك المفاهيم.

وقد يغدو موضوع بحثنا المتواضع رؤية جديدة ومرجعية لغيرنا من الباحثين في مجال الإشراف التربوي فيتجاوز قصوره ويوظف إيجابياته ليستنير بها المشتغلين والمهتمين بهذا المجال. خصوصا في ظل إغراق الساحة التعليمية بأفواج المدرسين ذوي التكوين السريع، وبات على المؤسسة التعليمية ضمان التعايش بين جيلين، بدا الأول حياته التعليمية في المدارس، والثاني تزامنت طفولته مع العولمة والألعاب الإلكترونية. ومن هنا يأتي تصوّرنا للمدرسة المفترضة، وهي تكوين نخبة مؤهلة لاعتراض النزيف القيّمي الذي يعاني منه مجتمعنا، مع اعتماد أساليب تأطيرية باتت ملحة؛ ومن ثمّ نمت لدينا رغبة علمية استدعت تدخلنا في شكل دراسة للإشراف التربوي كظاهرة سوسيولوجية باعتباره عملية تفاعل اجتماعي بين المشرف والمعلم والمؤسسة التعليمية، تحكمها معايير وقواعد كلّ ما كان استخدامها أمثل يحقق الإشراف التربوي من حيث إنّه إدارة للموارد البشرية والعلاقات الإنسانية الأهداف المرجوة منه؛ ومن ثم تكون الاستجابة لروح الفلسفة التربوية. وعلى الرغم من أنّ الإشراف التربوي له توابع كبيرة إلاّ أننا سنكتفي بالتركيز على طبيعة الإشراف التربوي (التفتيش) أي المشرف الزائر؛ وفي تقديرنا أنّ معرفة المشرف التربوي بالميدان قد تسمح له بتحليل أثار السياسات التعليمية، الشيء الذي يجعله مؤهلا ليس فقط لبلورة اقتراحات تجاه المؤسسة التعليمية وإنما لترقب الصعوبات واقتراح مقاربات جديدة والمساهمة في تعديل السياسات التعليمية. كما أنّ مستوى رقي المجتمع رُهِن بمستوى التعليم والمعلمين؛ حيث قال "روي سينغ" في تقرير اللجنة الدولية من أجل القرن الحادي والعشرين عام 1997 : «لا يمكن لأيّ نظام تعليمي أن يرقى أعلى من مستوى المعلمين فيه». وهنا نلمس أنّ بلوغ ذلك الرقي مرهون أيضا بإعداد المعلم ضمن عملية مستمرة ودائمة؛ ومن ثمّ فإنّ طبيعة الإشراف الممارس قد يحدد معالم الاستراتيجيات التعليمية. ومما سبق من إشكالات مطروحة سنحاول إسقاط هذه الطروحات النظرية على واقع المؤسسة التعليمية الجزائرية، ومعرفة ما طبيعة الإشراف التربوي الممارس في المؤسسة التعليمية الجزائرية ؟ ويمكن مفصلة هذا التساؤل المركزي إلى تساؤلات فرعية كالآتي :

1 – ما هي أنواع الإشراف التربوي الممارس في المؤسسة التعليمية الجزائرية ؟

2 – ما هي أساليب الإشراف التربوي الممارس في المؤسسة التعليمية الجزائرية ؟

3 – ما هي أبعاد الإشراف التربوي الممارس في المؤسسة التعليمية الجزائرية ؟ (هل هو بعد إنساني، أو مادي، أو تقني ...؟)

فضلا عن ذلك سنتناول خلال دراستنا ما إذا كانت هناك عوائق تقلّص من فاعلية الإشراف التربوي الممارس في المؤسسة التعليمية الجزائرية ؟

الأستاذ ٠فريد غياط

[1] - مدان ساروب دليل تمهيدي إلى ما بعد الحداثة، ترجمة خميسي بوغرارة، منشورات مخبر الترجمة والأدب واللسانيات، جامعة منتوري قسنطينة، 2003، ص 155.

[2] - محمد صالح حثروبي، نموذج التدريس الهادف، دار الهدى عين مليلة الجزائر، 1999، ص5.

[3] - المصطفى ادملود، أسئلة التجديد التربوي، ط 1، دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب، 2003، ص18.

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :